البعض يدري .. و البعض لا يدري
من لا يدري فقد إرتاح .. و من يدري فهل بنى درايته على عـِـلم ؟.. أم فقط لأنهم قالوا له هكذا يجب ؟
البعض يرى زوبعة أو دوامة ( مـُـفتعلة ) فيدخل إليها بقدميه
البعض يدخل وهو لا يدري " مع الخيل يا شقرا " .. و البعض يدخل ليتكسب هو شخصياً أو لكي يـُـشفي غليله
نسأل هذا الذي لا يعتقد بوجوب الإنتماء .. لماذا لا تعتقد بأنك يجب أن تنتمي ؟
* فيـُـجيب / سأجيبك بسؤال " ما نظرتك للإسلام ؟ "
فأجيبه بدوري : إنه دين عظيم
* فيسألني / حسناً .. فلماذا تسأل من الأساس ؟ .. إن كان الإسلام دين عظيم .. فلماذا أتركه لأتخندق ؟
( فبـُـهت الذي سأل أول مرة )
* لا يا سيدي .. لا تبهت الأن .. أجبني على سؤالي ولا تتهرب
حسناً .. إن عظمة الإسلام في تنوعه .. ومن معالم تنوع الإسلام كثرة المذاهب و المعتقدات التي على كثرتها لم تخرج عن عبائة الإسلام
* جميل جداً .. إن تنوع المذاهب و المعتقدات في الإسلام دليل حيوية ..
لكن هل تعتقد أنت بوجوب الإنتماء إلى هذه المسميات أم يكفيك مجرد الإطلاع عليها من باب الإستفادة ؟
لا .. الإنتماء ليس واجب .. لكنه ضروري .. حتى تـُـحدد موقفك بوضوح .. هل أنت سني أم شيعي .. حنبلي أم مالكي .. سلفي أم ليبرالي متأسلم
* يا سيدي إن إنتمائك إلى هذا و ذاك دليل على أن الإسلام ليس هو ذلك الدين العظيم
كيف .. لم أفهم !
* أنت عندما تدخل حديقة من الزهور .. فهل الأجمل أن تستنشق من كل الزهور أم تظل عند زهرة واحدة عاكفاً ؟
ما هذا ؟ .. بل أنا إن دخلت تلك الحديقة ستـُـبهرني بكل ما تحتويه من زهور .. رغم هذا فإني أميل إلى الياسمين أكثر
* حسناً .. هل إعجابك بالياسمين يعني أن باقي الزهور لا رائحة فيها ؟
لا طبعاً
* إذاً بأي منطق نـُـبرر لأنفسنا الإنتماء للحنبلية أو الشافعية .. للسنة أو الشيعة .. للسلفية أو الليبرالية بردائها الإسلامي ؟
.. من حق كل مسلم أن يـُـعجب بهذا أو ذاك .. سواء كان معتقد أم مذهب .. لكن لا أن ينتمي بكليته ويظل عاكفاً لا يخرج عن عبائة معتقده
فليس من الكفر أن تقراء لكتب الشيعة و أنت تميل للسنة ..
وليس ذنباً أن تأخذ من الحنابلة كما تأخذ من الشافعية .. وليس عيباً أن تستفيد من السلفية و من الليبرالية
خذ ما تراه جميلاً من كل إتجاه .. و أترك القبيح على قارعة الطريق
---
إن ما نعيشه اليوم من صراع سلفي ليبرالي .. كمثال هو خير دليل على الضرر الذي يأتي من هذا الإنتماء ..
إنتماء الجماعات خلف هذه المعتقدات أو الأراء أو الأفكار التي إقتبست من الإسلام .. أو أتت من الغرب ثم تأسلمت
جميل أن نجد كل هذا التنوع المنبثق من الإسلام .. و الأجمل أن نستورد أفكاراً و معتقدات من الأخرين ثم نـُـدخلها تحت رداء الإسلام ..
بهذا سنعي و نـُـدرك مدى جمال الإسلام .. بهذا سيسير الإسلام في كل الإتجاهات دون أن يفقد رونقه
لكن ما نعيشه اليوم صورة مشوهة .. فوضى و تيه .. ( كل حزب بما لديهم فرحون )
في حديث النبي -صلى الله عليه و سلم-
( .... والذي نفس محمد بيده ، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ؛ فواحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار )
فمن هي هذه الفئة الناجية ؟
إن قلنا هم الشيعة أو السنة فهذا لا يصح .. لأن كلا الإتجاهين ينقسمون إلى فروع عديدة ..
إن قلنا كمثال أنهم فقط الحنابلة فهذا أيضاً لا يصح لأن الحنبلية تنقسم إلى فروع .. ثم فروع .. ثم فروع ..
وهكذا سنجد عشرات الفروع و الإنقسامات .. كل فرع يدعي أنه الفرقة الناجية .. وهذا مصداقاً لقوله تعالى ( كل حزب بما لديهم فرحون )
فمن هي الفرقة الناجية ؟
هي الفرقة التي لا تنتمي إلا إلى الإسلام .. الفرقة التي لا تعتقد بأن الإنتماء للتقسيمات واجبً عليها ..
إنما تأخذ الخير من كل إتجاه وتقتدي به .. ثم تترك ما يتضح أنه شر .. على قارعة الطريق
هي الفرقة التي يقول الله عنها
( والذين أمنوا و عملوا الصالحات و أمنوا بما نـُـزل على محمد وهو الحق من ربهم كـَـفرعنهم سيئاتهم و أصلح بالهم )
فما هو الذي نزل على محمد -عليه الصلاة و السلام- ؟
ما نزل عليه هو الحديقة كلها بكل ما تحتويه من أزهار .. إدعاء أن زهرة واحدة تـُـمثل كامل الحديقة .. غباء
كذلك القول بأن هذه الطائفة تحديداً .. أو ذلك المعتقد على الخصوص .. وحده الفرقة الناجية .. معناه أن ليس كل ما نزل على محمد حق
هل الليبرالية إذاً من تلك الطوائف ؟
من الغباء أن يأتي الجواب بـ نعم .. لكن الفرقة الناجية لا يهمهما المـُـسمى .. لذلك لن تجد حرجاً من إستخراج الحق حتى من معتقدات الغرب ..
و إدخاله تحت رداء الإسلام .. لتعود الفائدة على الفرد و المجتمع الإسلامي في الأخير
إنتهى التوضيح
دعونا الأن أن نـُـطبـِـق مافي قوله تعالى ( كل حزب بما لديهم فرحون ) .. على أرض الواقع
إن الإنسان الفرد هو الذي من أجله قامت كل المسألة .. مسألة الإسلام .. فالإسلام لم يأتي لبناء دولة أو صناعة جيش أو دعم حزب ..
إنما جاء أساسً لتوفير الحياة الكريمة للإنسان الفرد .. حياة لا عبودية فيها ولا ذل
ولا تجعلوا أحداً يـُـخبركم بغير هذا
غير أن الواقع يقول غير هذا .. فالواقع أن الإنسان كفرد هو أخر هموم كل حزب ..
أتحدث هنا فقط عن " السلفية و الليبرالية " لأن هذا ما يهمني اليوم
كل حزب يفرح بما لديه .. يزمجر في وجه من يـُـريد أن يأخذ منه ..
يـُـسارع إلى نزع ما لدى الأخر .. بالقوة بالمـُـكر بالخداع .. حتى تاه الحزبين عن الحق
والحق أن الإنسان الفرد " المواطن " لم يعد يهتم بكلا الحزبين .. ويـُـوزع لعناته في كلا الإتجاهين ..
لأن الحزبين لم يعد يهمهم الإنسان كفرد إنما تهمهم مصالحهم فقط
ما حدث بالأمس لـ " حمزة كشغري " و ردة الفعل الشديدة تجاهه ليست إنتصاراً للحق أو للإسلام أبداً ..
إنما هي فرصة رأها الحزب السلفي فإستغلها لتحقيق مصالحه هو .. وهذا الأهم بالنسبة له
و اليوم تـُـستغل قضية " العبيكان " من قـِـبل الحزب الليبرالي لنفس الهدف
وبين هذا و ذاك ما يزال المواطن الفرد جائعاً مديوناً بلا سكن .. ولا حرية و لا صوت و لا كرامة ..
لأن ( كل حزب بما لديهم فرحون )
و فرحتهم تلك أشغلتهم عن القضية الأساسية و العنصر الأهم .. عن الإنسان الفرد .. عن حقوقه و مطالبه
آمن المواطن اليوم أن السلفية لن تـُـطعمه كـِـسرة خـُـبز .. و أن الليبرالية لن تهديه كساءً يقيه
يتسائل .. متى كانت قضيتي عقدية ؟ .. فأبواب المساجد مـُـشرعة و كذلك أبواب الأسواق ..
أبواب المحاضرات مفتوحة كذلك أبواب الندوات ..
إن أردت أن أصلي فلن يمنعني أحد .. وإن أردت أن لا أصلي لن يمنعني أحد
صحيح أن هنالك حقوقاً صحيحة للمواطن يرفعها كلا الحزبين كشعارات تـُـطالب بها .. لكنها حقوقاً ثانوية
فالمواطن يـُـريد أولاً أن يسد جوعه و أن يتملك بيتاً أو يـُـخفض قيمة الإيجار ..
على الحزبين أن يـُـطالبا أولاً بحقوق المواطن الأساسية .. فإن توفرت يحق لهم حينها أن يتفرغا للقضايا الثانوية
كيف ندعوا الجائع إلى الإيمان بينما هو يحتاج لكسرة خبز ؟
كيف نطلب من المرأة أن تقود سيارة وهي تـُـعنف في المنزل ؟ .. أولاً أنقدوها من براثن العنف ثم أهدوها سيارة !
كذلك مسألة تكفير كشغري أو إعلان إلحاده .. فهذه قضية لن تسد جوع المواطن
أما التشفي بالعبيكان و تخلفه اليوم .. فهذه قضية لن تـُـوفر للمواطن وظيفة
وأنا اليوم فرحاً بسقوط العبيكان .. لأن الصراع السلفي الليبرالي على قدر ما يجلبه من فوضى ..
إلا أن فيه فائدة مهمة تعود بشكل غير مباشر على المواطن المسكين
فالتيار السلفي لم يعد يستطيع الوقوف ..
وفي ظل هذه الثورة المعلوماتية إتضح لمن ألقى السمع أنه تياراً لا يهتم بالإنسان كفرد .. بل ولا يملك مشروعاً يـُـقدمه للوطن
وسقوطه سيـُـعري كذلك جماعة الشامتين .. تـِـباعاً
أن يسقط العبيكان فهذا شيء جميل .. لأن سقوط الرموز مسألة مـُـهمة في تعرية هذا الحزب .. و الحزب الليبرالي
وبالنسبة للمواطن .. ستكثر لديه الأسئلة جراء هذا السقوط .. أسئلة على شاكلة .. ماذا قدم العبيكان للوطن و للمواطن ؟
هل نشر العدل عندما كان قاضياً ؟
هل أشار على الملك أن يـُـحاسب جميع المفسدين وأن لا تأخذه في الله لومة لائم تجاههم ؟ .. و إن أشار عليه فهل نـُـفذت إستشارته ؟
ماذا فعل بالضبط ؟ .. وما هو الأثر الذي تركه مـُـلاحظاً على أرض الوطن ؟
هل المواطن في حاجة إلى أن يفهم ما غاية المرام .. أم يحتاج إلى من يرفع في وجه سيفاً صارمً مشهور!
العبيكان إمام مسجد .. ومؤذناً .. وقاضياً .. وقاريءً للقرأن .. و راقياً شرعياً .. ومفسراً للقرآن .. وخطيباً ..
ومؤلفً للمجلدات و الأشرطة و السيديهات .. ثم مدرساً .. ثم مفتشاً .. ثم مستشاراً ملكي .. ثم عضواً في مجلس الشورى ..
ورئيساً لبعض المؤتمرات .. و ضيفاً دائماً على برامج الإعلام .. وكاتب مقالات في الصحف !!!!!!!!
الأن .. سيبداء المواطن في التساؤل .. بعد كل هذا .. لماذا المواطن الفرد يـُـعاني من البطالة ؟
لذلك أن يسقط العبيكان .. فهذا خير .. لأن سقوطه لا يعني إلا شيئاً واحداً ..
أن كلا الحزبين يأكل بعضه بعضاً .. ثم يتفرغ المواطن لقضاياه مـُـستقبلاً
والمسألة مسألة وقت .. ربما أيام معدودة حتى يسقط من الحزب الأخر ..
إنسانً ما .. وتـُـعاد الكرة .. وترد السلفية الصاع صاعين .. وتستمر المعركة التي لا مـُـنتصر فيها إنما الإثنان سيخسران
أن تسقط جميع الرموز الفاسدة .. و العناصر الخربة .. فهذا يعني أن المواطن في الأخير سيتفرغ للمطالبة بحقوقه .. بعيداً عن الشوشرة
ولا يزعل أتباع الحزبين .. عليهم أن ينظروا للأمر بنظرة أعم
ختامً ..
الحـِـكمة ضالة المؤمن .. أن ندرس سيرة " جيفارا " ونستلهم منها الحكمة ..
فهذا هو المطلوب .. ولا يعني أن تاريخنا لا يوجد به مـُـؤثرون لكن لأنني أحب جيفارا .. كما أحبه الملايين
ثم نسأل أنفسنا .. لماذا جيفارا مازال يـُـؤثر و يـُـعلـِـم و يـُـقتدى به إلى اليوم ؟
لأن قضيته الأولى و الأخيرة كانت " الإنسان الفرد " .. إهتم بالعنصر الذي إهتمت به كل الأديان ..
وطافت حوله كل المعتقدات .. فخـُـلد كذكرى مناضلاً و مطالباً بحقوق الفرد
ثم قال من ضمن ما قال ( ماذا يفيد المجتمع إذا ربح الأموال وخسر الانسان ؟ )
تشي جيفارا.
المصدر: http://goo.gl/QiGrB